حين تدعى نظرية ما دعواها , فإن اللحظات الحرجة وحرارة التحديات هي التي تكذبها آنذاك أو تصدقها فيرسخ مدلولها ويصير أساسا في التعامل والتفاضل .
فالدكتاتورية والإستبداد والرأي الواحد والاتجاه الواحد والنظرية الواحدة كلها مرادفات لكلمة "أنا"
أنا الرئيس, أنا المدير, أنا القائد, أنا الأكبر سنا, أنا صاحب الفكرة وأنا صاحب الخبرة
إذا فلنكن صرحاء ولنقل أننا ما أردنا بالمسئولية غير حب الظهور وما أردنا بالقيادة غير أن يسمع لنا ويطاع
فالوضوح جيد في كل أمر والصدق ينجي من هلكه الكذب على أنفسنا وعلى الآخرين
فلننظر إلى تلك الأمثلة الفذة التي علمت البشرية ماهية المسئولية وكيف تكون القيادة
النبي صلى الله عليه وسلم القائد الأول ,إذا نظرنا إليه في مواقف كان للرأي فيها يمكن أن يحدد مصير هذه الدعوة كما حدث في غزوة بدر وأخذه برأي الحباب بن المنذر وفى غزوة الأحزاب وأخذه برأي سلمان الفارسي وفى غزوة أحد ونزوله لرأى حمزة وعلى وشباب المسلمين الذين كان رأيهم مخالفا لرأى القيادة.
ثم كان هذا الغرس الذي غرسه النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه فنجد امرأة تراجع عمر بن الخطاب وهو على المنبر في أمر من أمور الفقه الاسلامى , ويرجع عن رأيه وهو القائد والرئيس ويقول : أصابت امرأه وأخطأ عمر
وهذه التربية التي ترباها الخليفة الثاني غرسها في بنيه وذريته فخرج حفيده حاملا ذلك الفهم
إنه الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز الذى حين تولى الخلافة خطب في الناس قائلا " ألا إنى لست بخيركم , ولكني رجل منكم غير أن الله جعلني أثقلكم حملا "
فهذا الشعور هو أدنى ما تحس به الأرواح المؤلفة وتتميز به عن غيرها , فحين تزول المزايا المصطنعة والطباع المتكلفة ويحل التواضع وتسود الأخوة , لن يبقى من معنى الرئاسة إلا حملها الثقيل